منشورات

إشكالية حقوق الطفل في الجزائر بين التشريع والممارسة

مقال

مقال بقلم الأستاذة أنوار بن عزوز (باحثة في منظمة إفدي الدولية لحقوق الإنسان)

لا تكاد تخلو أيا من الدول من ممارسات تشكل انتهاكات لحقوق الطفل، وإن بدرجات متفاوتة، وذلك بحسب درجة الوعي ومدى تقدم المنظومات التشريعية لهذه الدول.
ويكون الطفل كما هو معلوم في “وضعية انتهاك” عندما لا يتمتع بحقوقه الأساسية والحماية من المخاطر الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية وانتهاك حقه في التعليم والرعاية، وما يترتب عنها من ظواهر اجتماعية مقلقة وخطيرة كاستغلال الأطفال أو تشغيلهم أو ظاهرة أطفال الشوارع والأطفال المهاجرين غير المرافقين وغيرها.
لقد عملت الدول العربية والجزائر جزء منها على مواجهة تدهور أوضاع حقوق الطفل وما يتعرض له من أشكال مختلفة من العنف والاغتصاب والاستغلال الجنسي والاقتصادي وغيرها، انطلاقا من كون حقوق الطفل جزء من حقوق الإنسان كما ضمنتها المواثيق الدولية والاتفاقيات الخاصة بالطفل التي صادقت عليها الجزائر، مما يجعلها جزء من البناء التشريعي الوطني ومن ثم وجوب الالتزام الكامل بمقتضياتها، فضلا عن اتخاذها تدابير قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية منذ استقلالها، تصب كلها في إطار حماية حقوق الطفل وترقيتها.
لكن الإشكال المطروح، هو مدى نجاعة هذه التدابير وانعكاسها على حماية وترقية حقوق الطفل في الجزائر ؟
نظرة حول وضعية حقوق الطفل في الجزائر
تعاني الجزائر كغيرها من الدول من انتهاكات خطيرة لحقوق الطفل، لعل من أبرزها تنامي ظاهرة العنف ضد الأطفال ولاسيما تعرضهم لجرائم الاختطاف والاغتصاب والقتل، يضاف لذلك مظاهر أخرى، على غرار الاستغلال الجنسي والاقتصادي في ظل غياب تام للرقابة على سوق الشغل خاصة مع تنامي ظاهرة السوق الموازية وعدم التصريح بالعمالة، ناهيك ظاهرة أطفال الشوارع، ويمكن الإشارة في هذا السياق لأهم أشكال انتهاك حقوق الطفل في الجزائر من خلال المظاهر التالية:
• الأطفال ضحايا الاستغلال الاقتصادي: إذا كانت ظاهرة تشغيل الأطفال ترتبط بكل المجتمعات، فإن الجزائر من بين الدول التي تعرف تناميا في عدد الأطفال المجبرين على الشغل لأسباب اقتصادية واجتماعية، خاصة في ظل غياب سياسة رقابية ناجعة لظاهرة عدم التصريح بالعمالة، فضلا عن عدم إيجاد بديل فعال للسوق الموازية المنتشرة في كل المناطق، حيث يكون الأطفال في هذه الحالة عرضة للاستغلال الاقتصادي البشع الذي لا يراعي قدراتهم الجسدية ولا البدنية ولا احتياجاتهم، ولا يقدر حتى المجهود الذي يقدمونه، فيكون الانتهاك مضاعفا.
• الأطفال ضحايا ظاهرة التسول، حيث نلاحظ استغلال الأطفال في التسول جلبا للتعاطف معهم، ونجد هنا أطفالا رضع يتم استغلالهم من قبل عصابات منظمة في التسول دون مراعاة لما يكونون عرضة له من مخاطر صحية وبيئية قد تودي بحياتهم، كما نلاحظ انتشار ظاهرة الأطفال القصر المتسولين والذين يزاولون هذا العمل المهين إما لحساب ذويهم في ظل غياب العقاب والردع القانوني الصارم من قبل الدولة على أرباب هذه الأسر، وإما لحساب عصابات وشبكات منظمة تعمل في هذا المجال.
• الأطفال ضحايا المهربين وتجار المخدرات، حيث نجد كثير من الأطفال يقعون فريسة في يد جماعات إجرامية تمتهن هذه الأمور وتستغلهم في الترويج للمخدرات وبيعها والتي كثيرا ما يتحولون تدريجيا إلى متعاطين لها أو حتى مدمنين عليها.
• الأطفال ضحايا التسرب المدرسي: رغم التدابير الكثيرة التي اتخذتها الجزائر منذ الاستقلال في إطار مجانية التعليم وإجباريته، نلاحظ في السنوات الأخيرة التي تلت مرحلة العشرية السوداء، تنامي ظاهرة التسرب المدرسي خاصة في المناطق الريفية والنائية.
• الأطفال ضحايا انعدام أو نقص التكفل الصحي، خاصة في المناطق النائية والمدن الداخلية حيث تغيب الهياكل الصحية الكافية، وإن توفرت فإن التأطير بالكادر البشري المختص لا يكون في المستوى المطلوب.
• الأطفال ضحايا التحرش الجنسي وجرائم الاختطاف وكذا الاغتصاب والقتل والملاحظ أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وزاد من حدتها غياب اتخاذ إجراءات صارمة ورادعة ضد مرتكبيها ولاسيما الذين ألقي عليهم القبض وتمت محاكمتهم، وكما هو معروف فإن الجزائر تمتنع عن تنفيذ عقوبة الإعدام.
• اختلال التكفل المستمر والشامل بالطفولة المسعفة.

الحماية القانونية للطفل في الجزائر
لقد انضمت الجزائر لمعظم الاتفاقيات والأجهزة الدولية لحماية حقوق الطفل، حيث انضمت إلى اتفاقية حقوق الطفل في 19 ديسمبر 1992 والتي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر سنة 1989، كما انضمت إلى الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته لسنة 1990، علاوة على ذلك، صادقت على البروتوكول الإختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية المعتمد بنيويورك في 25 ماي سنة 2000، وانضمت كذلك إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة المعتمد بنيويورك في 25 ماي سنة 2000.
وفي إطار تكييف منظومتها القانونية الوطنية لحماية حقوق الطفل مع المنظومة القانونية الدولية والإقليمية التي انضمت إليها، قامت الجزائر بإصدار قوانين جديدة، وعدلت، وألغت قوانين أخرى في هذا المجال، حيث تم إصدار القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية حقوق الطفل، والذي نص على إنشاء هيئة وطنية لحماية وترقية الطفولة يرأسها مفوض وطني لحماية الطفولة، تعمل هذه اللجنة تحت وصاية الوزير الأول.
كما منح التعديل الدستوري لسنة 2016 (المادة 72 منه) حماية دستورية للأطفال في الجزائر، تتفرع عنها حماية جزائية بموجب قانون العقوبات الذي يشدد في نصوصه ومواده على معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الأطفال القصر؛ بالموازاة مع ذلك يستفيد الطفل القاصر مرتكب الجريمة بموجب قانون الإجراءات الجزائية من حماية إجرائية خاصة عند محاكمته، تراعي وضعه الجسدي والذهني والنفسي، علاوة على استفادة الطفل في الجزائر من حماية مدنية بموجب قانون الأسرة الذي اعترف له بحقوق على والديه وعلى الأوصياء والقائمين عليه منذ فترة الحمل به إلى غاية بلوغه سن الرشد.
وتتوسع حماية الطفل في التشريعات المدنية الجزائرية؛ وبالأخص في القانون المدني الذي راعى وشدد على حماية حقوق وأموال الطفل وعلى كيفية إدارتها مراعاة دائما لمصلحته.
مما سبق، يمكن القول بأنّ المنظومة القانونية والسياسية لحماية حقوق الطفل في الجزائر، تعتبر على المستوى النظري منظومة قانونية وحقوقية راقية ومتكاملة وذات معايير عالمية، تعززها قيم المجتمع النابعة من الدين الإسلامي الحنيف الذي يولي الطفل رعاية كبيرة، لكن الواقع أثبت مع الأسف، خاصة في السنوات الأخيرة، قصور هذه المنظومة وعدم نجاعتها خاصة في ظل تنامي انتهاك أسمى حقوق الطفل وهو حقه في الحياة من خلال الانتشار المخيف لظاهرة اختطاف الأطفال ثم قتلهم على يد مختطفيهم.
علاوة على تنامي البطالة والفقر والتهميش والحرمان، وما تمثله من تهديد مباشر لحقوق الأطفال، حيث أن معظم أسر الأطفال في وضعية صعبة، تعاني باستمرار من التمييز والفقر والإقصاء الاجتماعي، وصعوبة التأقلم على العيش في مساكن مكتظة وغير لائقة، والتنقل بين الأحياء الفقيرة وغيرها من مظاهر عدم الاستقرار المتسمة بالعنف والتي تضعِف بل وتدمر العلاقات الاجتماعية الأسرية، وتساهم في استغلال الأطفال وتؤثر في ارتباطهم بالمدرسة واﻟﻤﺠتمع.
ولعل المرحلة الأصعب بالنسبة للجزائر كانت مرحلة العشرية السوداء التي صاحبها انهيار اقتصادي شبه كلي في إطار التحول من النمط الاشتراكي إلى اقتصاد السوق وما فرض على الجزائر تحت ضغط صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، لمواجهة تلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة والضغوط المالية الحادة.
ورغم السياسات المتبعة لاحقا وارتفاع الأعباء الاجتماعية للدولة فإن الإخفاق في بناء نموذج اقتصادي سليم وغياب التطبيق الصارم للقانون في مجال مواجهة انتهاكات حقوق الطفل فاقم من معاناة الاطفال الذين يعدون الضحية الأولى لكل الاختلالات التي تعانيها الدولة والمجتمع.
وعموما يمكن القول إن حماية حقوق الأطفال وترقيتها لا ينبغي التعاطي معها فقط من منظور قانوني بحت، وإنما تتطلب مقاربة اجتماعية واقتصادية وتربوية تشترك فيها جميع المؤسسات لتدارك مكامن الخلل وتفعيل مختلف النصوص والتشريعات والأجهزة والمؤسسات الموضوعة من أجل ضمان تمتع الطفل الجزائري بجميع حقوقه.

29 غشت 2019

زر الذهاب إلى الأعلى